العراب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
العراب


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصص هادفة: الفقر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
hrson ford
مقاتل
مقاتل
hrson ford


عدد الرسائل : 265
تاريخ التسجيل : 23/09/2006

قصص هادفة: الفقر Empty
مُساهمةموضوع: قصص هادفة: الفقر   قصص هادفة: الفقر Icon_minitimeسبتمبر 26th 2006, 11:16

الفقر
مررت ليلة أمس برجل بائس فرأيته واضعاً يده على بطنه كأنما يشكو ألماً، فرثيت لحاله وسألته: ما باله؟ فشكا إلي الجوع، ففثأته [يقال: فثأت فلاناً عن فلان، إذا سكنت غيظه عليه]. عنه ببعض ما قدرت عليه، ثم تركته وذهبت إلى زيارة صديق لي من أرباب الثراء والنعمة، فأدهشني أني رأيته واضعاً يده على بطنه، وانه يشكو من الألم ما يشكو ذلك البائس الفقير، فسألته عما به فشكا إلي البطنة، فقلت: يا للعجب! لو أعطى ذلك الغني ذلك الفقير ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكا واحد منهما سقماً ولا ألما.



لقد كان جديراً به أن يتناول من الطعام ما يشبع جوعته، ويطفئ غلته؛ ولكنه كان محباً لنفسه، مغالياً بها، فضم إلى مائدته ما اختلسه من صحفة الفقير فعاقبه الله على قسوته بالبطنة، حتى لا يهنأ للظالم ظله ولا يطيب عيشه. وهكذا يصدق المثل القائل: بطنة الغني انتقام لجوع الفقير.
ما ضنت السماء بمائها، ولا شحت الأرض بنباتها، ولكن حسد القوي الضعيف عليهما فزواهما [زوى عنه حقه: منعه إياه]. واحتجنهما [احتجن الشيء: إذا جذبه بالمحجن إلى نفسه؛ والمجن الصولجان، والمراد انه استأثر به]. دونه، فأصبح فقيراً معدماً، شاكياً متظلماً، غرماؤه المياسير الأغنياء، لا الأرض والسماء.
ليتني أملك ذلك العقل الذي يملكه هؤلاء الناس. فاستطيع أن أتصور كما يتصورون، حجة الأقوياء في أنهم أحق بإحراز المال، وأولى بامتلاكه من الضغفاء، إن كانت القوة حجتهم عليه، فلم لا يملكون بهذه الحجة سلب أرواحهم كما ملكوا سلب أموالهم؟ وما الحياة في نظر الحي بأثمن قيمة من اللقمة في يد الجائع. وإن كانت حجتهم أنهم ورثوا ذلك المال عن آبائهم.
قلنا لهم: إن كانت الأبوة غلة الميراث فلم ورثتم آباؤكم في أموالهم ولم ترثوهم مظالمهم؟
فلقد كان آباؤكم أقوياء فاغتصبوا ذلك الماء من الضعفاء، وكان حقاً عليهم أن يردوا إليهم ما اغتصبوا منهم، فإن كنتم لابد ورثاءهم فاخلفوهم في رد المال إلى أربابه، لا في الاستمرار على اغتصابه.
ما أظلم الأقوياء من بني الإنسان، وما اقسى قلوبهم، ينام أحدهم ملء جفنيه على فراشه الوثير، ولا يقلقه في مضجعه أنه يسمع أنين جاره، وهو يرعد برداً وقراً، ويجلس أمام مائدة حافلة بصنوف الطعام قديده وشواءه حلوه وحامضه ولا ينغص عليه شهوته علمه.
إن بين أقربائه وذوي رحمه من تتواثب أحشاؤه شوقاً إلى فتاة تلك المائدة ويسيل لعابه تلهفاً على فضلاتها.
بل أن بينهم من لا تخالط الرحمة قلبه ولا يعقد الحياء لسانه، فيظل يسرد على مسمع الفقير أحاديث نعمته، وربما استعان به على عد ما تشتمل خزائنه من الذهب وصناديقه من الجوهر وغرفه من الأثاث والريش، ليكسر قلبه وينغص عليه عيشه ويبغض إليه حياته وكأنه يقول في كل كلمة من كلماته وحركة من حركاته: أنا سعيد لأني غني، وأنت شقي لأنك فقير.
أحسب لولا أن الأقوياء في حاجة إلى الضعفاء يستخدمونهم في مرافقهم وحاجاتهم كما يستخدمون أدوات منازلهم، ويسخرون في مطالبهم كما يسخرون مراكبهم.
ولولا أنهم يؤثرون الإبقاء عليهم ليمتعوا أنفسهم بمشاهدة عبوديتهم لهم وسجودهم بين أيديهم، لامتصوا دماءهم كما اختلسوا أرزاقهم، ولحرموهم الحياة كما حرموهم لذة العيش فيها.
لا أستطيع أن أتصور أن الإنسان إنسان حتى أراه محسناً؛ لأني لا أعتمد فصلاً صحيحاً بين الإنسان والحيوان إلا الاحسان.
وإني أرى الناس ثلاثة: رجل يحسن إلى غيره ليتخذ احسانه إليه سبيلاً إلى الاحسان إلى نفسه، وهو المستبد الجبار الذي لا يفهم من الاحسان إلا أنه يستعبد الإنسان.
ورجل يحس إلى نفسه ولا يحسن إلى غيره وهو الشره المتكالب الذي لو علم أن الدم السائل يستحيل إلى ذهب جامد لذبح في سبيل الناس جميعاً.
ورجل لا يحسن إلى نفسه ولا على غيره وهو البخيل الأحمق الذي يجيع بطنه ليشبع صندوقه.
وأما الرابع: وهو الذي يحسن إلى غيره، ويحسن إلى نفسه، فلا اعلم له مكاناً، ولا أجد إليه سبيلاً، واحسب أنه هو الذي كان يفتش عنه الفيلسوف اليوناني "ديوجين الكلبي" حينما سئل: ما يصنع بمصباحه؟
وكان يدور به في بياض النهار.
فقال: "افتش عن إنسان".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصص هادفة: الفقر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصص هادفة: الشرف
» قصص هادفة: أين الفضيلة
» قصص هادفة: الانتحار
» قصص هادفة: الكذب
» قصص هادفة: يوم الحساب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
العراب :: القسم الاسلامي :: منتدى الاحاديث والشروحات الاسلاميه-
انتقل الى: