العراب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
العراب


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصص هادفة: أين الفضيلة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
hrson ford
مقاتل
مقاتل
hrson ford


عدد الرسائل : 265
تاريخ التسجيل : 23/09/2006

قصص هادفة: أين الفضيلة Empty
مُساهمةموضوع: قصص هادفة: أين الفضيلة   قصص هادفة: أين الفضيلة Icon_minitimeسبتمبر 26th 2006, 11:21

أين الفضيلة
قرأت في بعض الروايات أن فتى قضى حقبة من دهره مولعاً بحب فتاة خيالية لم يرها مرة واحدة في حياته، وإنما تخيل في ذهنه صورة ألفها من شتى المحاسن ومتفرقاتها في صورة البشر، فلما استقرت في مخيلته تجسمت في عينيه فرآها فأحبها حباً ملك عليه قلبه وحال بينه وبين نفسه وذهب به كل مذهب: فأنشأ يفتش عنها بين سمع الأرض وبصرها أعواماً طوالاً حتى وجدها.



لا أستطيع أن أكذب هذه القصة لأني أنا ذلك الفتى بعينه، لا فرق بيني وبينه إلا أنه يسمي ظالته الفتاة وأسميها الفضيلة، وأنه فتش عنها فوجدها، وفتشت عنها حتى عييت بأمرها فما وجدت إليها سبيلاً.
فتشت عن الفضيلة في حوانيت التجار فرأيت التاجر لصاً في أثواب بائع وجدته يبيعني بدينارين ما ثمنه دينار واحد، فعلمت أنه سارق للدينار الثاني، ولو وكل إلي أمر القضاء ما هان علي أن أعاقب لصوص الدراهم، وأغفل لصوص الدنانير، مادام كل منهما يسلبني مالي ويتغفلني عنه.
أنا لا أنكر على التاجر ربحه، ولكني أنكر عليه أن يتناول منه أكثر من الجزاء الذي يستحقه على ما بذل من جهد في جلب السلعة وما أنفق من راحته في سبيل صوتها واحرازها، وكل ما أعرف من الفرق بين حلال المال وحرامه: أن الأول بدل الجد والعمل والثاني بدل الغش والكذب.
فتشت عن الفضيلة في مجالس القضاء فرأيت أن أعدل القضاة من يحرص الحرص كله على أن لا يهفو في تطبيق القانون الذي بين يديه هفوة يحاسبه عليها من منحه هذا الكرسي الذي يجلس عليه مخافة أن يسلبه إياه، أما إنصاف المظلوم والضرب على يد الظالم. واراحة [أراح الحق على أهله: أعاده إليهم]. الحقوق على أهلها وإنزال العقوبات منازلها من الذنوب: فهي عنده ذيول وأذناب لا يأبه [ أبه للشيء: تفطن له واحتفل]. لها، ولا يحتفل بشأنها إلا إذا أشرق عليها الكوكب بسعده فمشت مع القانون في طريق واحد مصادفة واتفاقاً، فإذا اختلف طريقهما بين يديه حكم بغير ما يعتقد ونطق بغير ما يعلم، ودان البريء وبرأ المجرم، فإذا عتب عليه في ذلك عاتب كانت معذرته إليه حكم القانون عليه. كأنما يريد أن يجعل العقل أسير القانون، وما القانون إلا حسنة من حسنات العقل وصنيعة من صنائعه.
فتشت عن الفضيلة في قصور الأغنياء فرأيت الغنى اما شحيحاً أو متلافاً؛ اما الأول فلو كان جاراً لبيت فاطمة رضي الله عنها وسمع في جوف الليل انينها وأنين ولديها من الجوع ما مد اصبعيه إلى أذنيه ثقة منه أن قلبه المتحجر لا تنفذه أشعة الرحمة، ولا تمر بين طياته نسمات الإحسان، وأما الثاني: فما له بين الثغرين: ثغر الحسناء، وثغر الصهباء.. فعلى يدي أي رجل من الرجلين تدخل الفضيلة قصور الأغنياء؟
فتشت عنها في مجالس السياسية، فرايت أن المعاهدة والاتفاق والقاعدة والشرط: الفاظ مترادفة معناها الكذب، فرأيت أن الملك في كرسي مملكته كالحوذي في كرسي عربته، لا فرق بينهما إلا أن هذا ينقض (تعريفته)، وذاك ينقض معاهدته، ورأيت أن أعدى عدو للإنسان الإنسان، وإن كل أمة قد اعدت في مخازنها ومستودعاتها وفي بطون قلاعها وعلى ظهور سفنها وفوق متون طياراتها ما شاء الله أن تعده لأختها من الموت وأفانين العذاب حتى إذا وقع الحتف بينهما على حد من الحدود أو جدار من الجدران، لبس الإنسان فروة السبع واتخذ له من تلك العدد الوحشية أظفاراً كأظفاره وأنياباً كأنيابه، فشحذ الأولى وكشر عن الأخرى ثم هجم على ولد أبيه وأمه هجمة لا يعود منها إلا بنفسه التي بين جنبيه، وإنك لو سألت الجنديين المتقاتلين ما خطبكما وما شأنكما؟ وعلام تقتتلان؟ وما هذه الموجدة التي تحملانها بين جنبيكما؟ ومتى ابتدأت الخصومة بينكما، وعهدي بكما ما أنكما ما تعارفتما إلا في الساعة التي اقتتلتما فيها؟ لعرفت إنهما مخدوعان عن تقسيهما، وأنهما ما خرجا من ديارهما ليضعا درة في تاج الملك، أو نيشاناً على صدر القائد.
فتشت عنها بين رجال الدين فرأيتهم ـ إلا من رحم الله ـ يتجرون بالعقول في أسواق الجهل، ورأيت كلا منهم قد ثغر له في كل رأس من رؤوس البشر ثغرة ينحدر منها إلى الأخلاق فيفسدها، والمشاعر فيقتلها، ليتوسل بذلك إلى الذخائر فيسرقها، والخزائن فيسلبها.
فتشت عنها في كل مكان أعلم أنه تربتها وموطنها فلم أعثر بها، فليت شعري هل أجدها في الحانات والمواخير، أو في مغارات اللصوصن أو بين جدران السجون.
سيقول كثير من الناس: قد غلا الكاتب في حكمه وجاوز الحد في تقديره، فالفضيلة لا تزال تجد في صدور الكثير من الناس صدراً رحباً، ومورداً عذباً؛ وإني قائل لهم قبل أن يقولوا كلمتهم: إني لا أنكر وجود الفضيلة، ولكني أجهل مكانها، فقد عقد رياء الناس أمام عيني سحابة سوداء أظلم لها بصري، حتى ما أجد في صفحة السماء نجماً لامعاً، ولا كوكباً طالعاً.
كل الناس يدعي الفضيلة وينتحلها، وكلهم يلبس لباسها ويرتدي رداءها ويعد لها عدتها من منظر يستهوي الأذكياء والأغنياء، ومظهر يخدع أسوأ الناس بالناس ظناً، فمن لي بالوصول إليها في هذا الظلام الحالك، والليل الأليل؟
إن كان صحيحاً ما يتحدث به الناس من سعادة الحياة وطيبها وغبطتها ونعيمها، فسعادتي فيها أن أعثر في طريقي في يوم من أيام حياتي بصديق يصدقني الود وأصدقه، فيقنعه مني ودي وإخلاصي دون أن يتجاوز ذلك إلى ما وراءه من مآرب وأغراض، وأن يكون شريف النفس فلا يطمع في غير مطمع، شريف القلب، فلا يحمل حقداً ولا يحفظ وتراً. ولا يحدث نفسه في خلوته بغير ما يحدث به الناس في محضره؛ شريف اللسان فلا يكذب ولا ينم، ولا يلم بعرض ولا ينطق بهجر. [ الهجر: الفحش ].
شريف الحب فلا يحب غير الفضيلة، ولا يبغض غير الرذيلة.
هذه هي السعادة التي أتمناها ولكني لا أراها.
إني لأرى الرياض الغناء تهفو أشجارها، وترن أطيارها، وارى جداول الماء تنساب بين أنوارها وأزهارها، أنسياب الأفاعي الرقطاء، في الرمال البيضاء، وأرى أنامل النسائم تعبث بمنثورها الأوراق، عبث الهوى بألباب العشاق، وأسمع ما بين صفير البلابل، وخرير الجداول نغمات شجية تبلغ من نفس الإنسان، ما لا تبلغ أوتار العيدان، فلا يسرني منها منظر، ولا يطربني مسمع؛ لأني لا ارى بين هذه المشاهد التي أراها ضالتي التي أنشدها.
لقد سمج وجه الرذيلة في عيني، وثقل حديثها في مسمعي، حتى أصبحت أتمنى أن أعيش بلا قلب فلا اشعر بخير الحياة وشرها وسرورها وحزنها.
ولولا بنيات صغار يفقدون بفقدي طيب العيش ونعيمه لفررت من هذا العالم الناطق إلى ذلك العالم الصامت، فأجد من الأنس به والسكون إليه ما وجده الذ يقول:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصص هادفة: أين الفضيلة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصص هادفة: الانتحار
» قصص هادفة: الكذب
» قصص هادفة: يوم الحساب
» قصص هادفة: الحرية
» قصص هادفة: الرحمة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
العراب :: القسم الاسلامي :: منتدى الاحاديث والشروحات الاسلاميه-
انتقل الى: