العراب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
العراب


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصص هادفة: الحرية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
hrson ford
مقاتل
مقاتل
hrson ford


عدد الرسائل : 265
تاريخ التسجيل : 23/09/2006

قصص هادفة: الحرية Empty
مُساهمةموضوع: قصص هادفة: الحرية   قصص هادفة: الحرية Icon_minitimeسبتمبر 26th 2006, 11:30

الحرية
استيقظت فجر يوم من الأيام على صوت هرة تموء (المواء: صوت الهرة) بجانب فراشي وتتمسح بي، وتلح في ذلك إلحاحاً غريباً، فرابني أمرها، وأهمني همها وقلت: لعلها جائعة، فنهضت، واحضرت لها طعاماً فعافته، وانصرفت عنه. فقلت: لعلها ظمآنة: فأرشدتها إلى الماء فلم تحفل به وأنشأت تنظر إلي نظرات تنطق بما تشتمل عليها نفسي من الآلام والاحزان، فأثر في نفسي منظرها تأثيراً شديداً، حتى تمنيت أن لو كنت سليمان أفهم لغة الحيوان لأعرف حاجتها، وافرج كربتها.


وكان باب الغرفة مرتجاً، فرأيت أنها تطيل النظر إليه وتلتصق بي كلما رأتني اتجه نحوه، فأدركت غرضها وعرفت أنها تريد أن أفتح لها الباب، فأسرعت بفتحه فما وقع نظرها على الفضاء، ورأت وجه السماء، حتى استحالت حالتها من حزن وهم إلى غبطة وسرور، وانطلقت تعدو في سبيلها، فعدت إلى فراشي وأسلمت رأسي إلى يدي، وأنشأت أفكر في أمر هذه الهرة، وأعجب لشأنها وأقول: ليت شعري هل تفهم هذه الهرة معنى الحرية فهي تحزن لفقدانها وتفرح بلقياها؟ أجل. إنها تفهم معنى الحرية حق الفهم، وما كان حزنها وبكاؤها وامساكها عن الطعام والشراب إلا من اجلها، وما كان تضرعها ورجاؤها وتمسحها وإلحاحها إلا سعياً وراء بلوغها.
وهنا ذكرت أن كثيراً من أسرى الاستبداد من بني الإنسان لا يشعرون بما تشعر به الهرة المحبوسة في الغرفة، والوحش المعتقل في القفص، والطير المقصوص الجناح من ألم الأسر وشقائه، بل ربما كان بينهم من يفكر في وجهه الخلاص أو يتلمس السبيل إلى النجاة مما هو فيه، بل ربما كان بينهم من يتمنى البقاء في هذا السجن ويأنس به ويتلذذ بآلامه واسقامه.
من أصعب المسائل التي يحار العقل البشري في حلها: أن يكون الحيوان الأعجم أوسع ميداناً في الحرية من الحيوان الناطق، فهل كان نطقه شؤماً عليه وعلى سعادته؟ وهل يجمل به أن يتمنى الخرس والبله ليكون سعيداً بحريته كما كان سعيداً بها قبل أن يصبح ناطقاً مدركاً؟
يحلق الطير في الجو، ويسبح السمك في البحر، ويهيم الوحش في الأودية والجبال، ويعيش الإنسان رهين المحبسين: محبس نفسه ومحبس حكومته من المهد إلى اللحد.
صنع الإنسان القوي للإنسان الضعيف سلاسل وأغلال، وسماها تارة ناموساً وأخرى قانوناً، ليظلمه باسم العدل، ويسلم منه جوهرة حريته باسم الناموس والنظام.
صنع له هذه الآلة المخيفة، وتركه قلقاً حذراً، مروع القلب، مرتعد الفرائص يقيم من نفسه على نفسه حراساً تراقب حركات يديه وخطوات رجليه وحركات لسانه وخطرات وهمه وخياله، لينجو من عقاب المستبد ويتخلص من تعذيبه، فويل له ما أكثر جهله! وويح له ما أشد حمقه؟ وهل يوجد في الدنيا عذاب أكبر من العذاب الذي يعالجه؟ أو سجن أضيق من السجن الذي هو فيه؟
ليست جناية المستبد على أسيره انه سلبه حريته، بل جنايته الكبرى عليه أنه أفسد عليه وجدانه، فأصبح لا يحزن لفقد تلك الحرية، ولا يذرف دمعة واحدة عليها.
لو عرف الإنسان قيمة حريته المسلوبة منه وادرك حقيقة ما يحيط بجسمه وعقله من القيود، لانتحر كما ينتحر البلبل إذا حبسه الصياد في القفص، وكان ذلك خيراً له من حياة لا يرى فيها شعاعاً من أشعة الحرية، ولا تخلص إليه نسمة من نسماتها.
كان في مبدأ خلقه يمشي عرياناً، أو يلبس لباساً واسعاً يشبه أن يكون ظلة تقيه لفحة الرمضاء، أو هبة النكباء، فوضعوه في القماط كما يضعون الطفل، وكفنوه كما يكفنون الموتى، وقالوا له: هكذا نظام الأزياء.
كان يأكل ويشرب كل ما تشتهيه نفسه وما يلتئم مع طبيعته، فحالوا بينه وبين ذلك، وملأوا قلبه خوفاً من المرض أو الموت، وأبوا أن يأكل أو يشرب إلا كما يريد الطبيب، وأن يتكلم أو يكتب إلا كما يريد الرئيس الديني أو الحاكم السياسي، وأن يقوم أو يقعد أو يمشي أو يقف أو يتحرك أو يسكن، إلا كما تقضي به قوانين العادات والمصطلحات.
لا سبيل إلى السعادة في الحياة، إلا إذا عاش الإنسان فيها حراً مطلقاً، لا يسيطر على جسمه وعقله ونفسه ووجدانه وفكره مسيطر إلا أدب النفس.
الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاش محروماً منها عاش في ظلمة حالكة، يتصل أولها بظلمة الرحم، وآخرها بظلمة القبر.
الحرية هي الحياة، ولولاها لكانت حياة الإنسان أشبه شيء بحياة اللعب المتحركة في أيدي الأطفال بحركة صناعية.
ليست الحرية في تاريخ الإنسان حادثاً جديداً، أو طارئاً غريباً؛ وإنما هي فطرته التي فطر عليها مذ كان وحشاً يتسلق الصخور، ويتعلق باغصان الأشجار.
إن الإنسان الذي يمد يديه لطلب الحرية ليس بمتسول ولا مستجد، وإنما هو يطلب حقاً من حقوقه التي سلبته إياها المطامع البشرية، فإن ظفر بها فلا منة لمخلوق عليه، ولا يد لاحد عنده.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصص هادفة: الحرية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصص هادفة: يوم الحساب
» قصص هادفة: الرحمة
» قصص هادفة: الفقر
» قصص هادفة: الشرف
» قصص هادفة: أين الفضيلة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
العراب :: القسم الاسلامي :: منتدى الاحاديث والشروحات الاسلاميه-
انتقل الى: